في خطوة مهمة تهدف إلى تطوير منظومة الأسرة المغربية وضمان حقوق جميع أفرادها، أشرف الملك محمد السادس على جلسة عمل حاسمة حول مراجعة مدونة الأسرة، مساء الإثنين 23 دجنبر بالقصر الملكي بالدار البيضاء.
هذه الجلسة، التي تُمثل مرحلة متقدمة في مسار الإصلاح، تُعد بمثابة تتويج لمجهودات ملكية دؤوبة تهدف إلى تعزيز مكانة الأسرة المغربية في قلب المجتمع. فالملك، الذي يولي هذا الموضوع اهتمامًا بالغًا، يسعى إلى أن يكون هذا الإصلاح بمثابة حجر الزاوية في بناء مجتمع مغربي قوي، قائم على العدالة والمساواة والتضامن.
وقد جاءت جلسة العمل لتكون محطة فارقة في عملية مراجعة مدونة الأسرة، التي تشمل العديد من التعديلات الهامة التي ستمس حقوق الأفراد داخل الأسرة المغربية، فالملك محمد السادس، كان له دور محوري في هذه العملية، إذ تابع شخصيا جميع المراحل المتعلقة بهذه المراجعة، بدءًا من جلسات الاستماع والتشاور مع مختلف الأطراف المعنية، وصولا إلى اقتراح الحلول التي توازن بين متطلبات العصر وحماية القيم الدينية.
هذه المراجعة لم تكن مسألة قانونية محضة، بل هي عملية إصلاحية شاملة تهدف إلى ضمان تماسك الأسرة المغربية، وهي تمثل رؤية ملكية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق المرأة والطفل، وتحقيق المساواة بين جميع أفراد الأسرة.
وقد ظهر ذلك جليا في التأكيد على ضرورة أن تكون الإصلاحات القانونية متوافقة مع القيم الإسلامية، وفي الوقت نفسه قابلة للتطبيق في سياق متغير يواكب التطورات الاجتماعية.
ومن السمات البارزة لهذا الإصلاح الطابع التشاركي الذي تميز به، حيث تم إجراء مشاورات واسعة مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين، من حقوقيين وأساتذة جامعيين ورجال دين، بالإضافة إلى ممثلي الهيئات الحكومية.
كل هؤلاء ساهموا بآرائهم ومقترحاتهم في إثراء نقاشات الإصلاح، وهو ما يضمن توازنا بين الحداثة والتمسك بالثوابت الدينية.
وتم الاستماع بشكل خاص لآراء المجلس العلمي الأعلى بشأن القضايا ذات الصلة بالنصوص الدينية في مدونة الأسرة، حيث قام الملك بتوجيه هذه المقترحات إلى المجلس العلمي، ليُصدر رأيا شرعيا حولها.
هذه الخطوة تؤكد أن الإصلاح الملكي يأخذ بعين الاعتبار شمولية القضايا ويضمن توافقها مع الشريعة الإسلامية، مما يعزز الثقة في العملية الإصلاحية.
ومن أبرز النقاط التي تم تسليط الضوء عليها خلال الجلسة الأخيرة ضرورة ضمان حقوق جميع أفراد الأسرة المغربية، حيث يحرص الملك على ألا تكون هذه المراجعة مقتصرة فقط على تعديل نصوص قانونية، بل تشمل أيضا تحسين وضع المرأة والطفل، بما يضمن لهما حقوقا أساسية داخل إطار الأسرة، فقد شهدت السنوات الأخيرة العديد من التحولات الاجتماعية التي جعلت من الضروري تعديل بعض الأحكام القانونية لتواكب هذه التغيرات.
وشدّد الملك في توجيهاته، على أن الإصلاح يجب أن يضمن حماية المرأة من كل أشكال العنف والتمييز، ويعزز دورها داخل الأسرة والمجتمع. كما دعا الملك إلى ضمان حقوق الأطفال في رعاية وتنشئة سليمة، بما يحفظ كرامتهم ويوفر لهم الظروف الملائمة للنمو والتطور في بيئة صحية ومستقرة.
العاهل الملكي أكد أيضا على أهمية الاجتهاد الفقهي المستمر في قضايا الأسرة، باعتبار أن تطور المجتمع المغربي يقتضي مواكبة التغيرات المستمرة في المجالات الاجتماعية والدينية.
ولذلك، تم اقتراح إنشاء هيئة جديدة ضمن المجلس العلمي الأعلى تكون مهمتها متابعة القضايا الفقهية المستجدة المتعلقة بالأسرة، بحيث تضمن هذه الهيئة استمرار الاجتهاد الفقهي وتقديم الحلول الفعالة للتحديات الجديدة.
هذه الخطوة تسعى إلى ضمان أن يكون الاجتهاد الفقهي جزءًا من عملية متواصلة لا تقتصر على مسألة معينة، بل تستمر في مواكبة كل المستجدات التي تطرأ على الأسرة المغربية، فهذه الرؤية الاستشرافية تعكس حرص جلالة الملك، نصره الله، على تعزيز الاجتهاد الشرعي الذي يخدم مصلحة الأسرة المغربية ويواكب تطورات العصر.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن هذه المراجعة تتميز بكونها غير مقتصرة على مجرد تعديل للقانون، بل تسعى إلى خلق توازن حقيقي بين القيم الإسلامية والحقوق الاجتماعية المعترف بها دوليا، فالملك في توجيهاته، أكد على ضرورة أن تستحضر المبادرة التشريعية في تعديل المدونة، المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة، التي يستند إليها الإسلام، وكذلك الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
كما شدّد الملك على ضرورة أن تكون المقترحات التشريعية المقدمة واضحة وقابلة للتطبيق، مما يسمح بتفادي أي تضارب في التفسير أو تطبيق النصوص القانونية.
هذه النقطة تمثل جزءًا أساسيًا من العملية الإصلاحية، حيث يسعى الملك إلى ضمان أن تكون النصوص الجديدة قادرة على تحقيق العدالة وتلبية متطلبات المجتمع.
إن الإصلاح الذي يقوده الملك محمد السادس، لم يقتصر فقط على تعديل مدونة الأسرة، بل يتجاوز ذلك إلى بناء مجتمع قانوني واعٍ بحقوقه، فقد دعا الملك إلى إنشاء برامج توعية قانونية تمكن المواطنين من الاطلاع على حقوقهم وواجباتهم بشكل أفضل، مما يعزز ثقافة القانون ويشجع على المزيد من الفهم والتفاعل مع التشريعات المتعلقة بالأسرة.
وقد شدد أيضا على أهمية تقوية قضاء الأسرة وتحسين تجربته، بما يساهم في تسريع الإجراءات وتحقيق العدالة بشكل أكثر كفاءة.
وفي هذا السياق، تندرج جهود إصلاح مدونة الأسرة ضمن رؤية شاملة، تهدف إلى تعزيز العدل الاجتماعي ورفع مستوى الوعي القانوني لدى جميع المواطنين.
إن مراجعة مدونة الأسرة تحت إشرافالملك محمد السادس، تمثل خطوة إصلاحية كبيرة تهدف إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على الثوابت الدينية وحماية حقوق الأسرة في مجتمع يتطور باستمرار.
الإصلاح لا يقتصر فقط على تعديل نصوص قانونية، بل يتعدى ذلك إلى بناء مجتمع قوي ومتوازن، قادر على مواجهة تحديات العصر دون التفريط في قيمه الأصيلة.