الأحد 8 سبتمبر 2024

دولة أوروبية تتخلى تماما عن العملات الورقية والمعدنية

مثلما كانت أوّل بلد في أوروبا يعتمد الأوراق النقدية سنة 1661، تعتزم مملكة السويد للانتقال إلى أول اقتصاد يستغني عن نظام الدفع نقدا في العالم سنة 2023.

وقد حرصت السويد، من خلال ثقافة الابتكار لديها وجودة الحياة العالية، وبالنظر إلى كونها من بين رواد التكنولوجيا، على تسهيل الانتقال نحو نظام غير نقدي أو “سياسة الدفع غير النقدي” كما يحب السويديون تسميتها .

وبمجرد اعتماد هذه السياسة بنسبة 100 بالمائة في مارس 2023، لن تختفي العملات المعدنية والأوراق النقدية تماما في البداية، ولكن لا يمكن استخدامها عمليا لتتحول إلى مجرد مقتنيات.

علاوة على ذلك، يواجه العديد من السويديين صعوبات في تذكر تاريخ آخر دفع نقدي. في الواقع، في ستوكهولم أو في أي مكان آخر في البلاد، يجيبونك إن ذلك يعود إلى 3 أو 6 أشهر أو أكثر، خاصة بالنسبة للتقنيين بينهم. وقد أصبح الأداء عبر بطاقات الائتمان وتطبيقات الهاتف المحمول مقبولة على نطاق واسع لدرجة أن العديد من السويديين لم يعودوا يحملون النقود.

بل إنه يمكن القول إن مستوى الثقة في نظام المعاملات الرقمية بات مرتفعا للغاية لدرجة أنه حتى الأطفال يدفعون في كثير من الأحيان عن طرق بطاقة الائتمان الخاصة بهم. كما تظهر لوحات ” الدفع نقدا غير مقبول” أو ” الدفع بالبطاقة فقط” في كل مكان تقريبا. حتى الأشخاص المشردون الذين يبيعون المجلات في الشوارع الخلفية لستوكهولم يقبلون الآن الدفع بالبطاقة أو عبر تطبيق الهاتف المحمول.

ووفقا لآخر الإحصائيات الصادرة عن البنك المركزي السويدي، انتقلت نسبة السويديين الذين يستخدمون النقد، ما بين سنتي 2010 و2021 من 39 إلى 4 بالمائة، مع اقتصار الاستخدام بشكل أساسي على الأداء الصغير وكبار السن و 87 بالمائة من الساكنة قاموا عمليات شراء عبر الإنترنت سنة 2021، ما يجعل البلاد من بين المتصدرين في أوروبا.

وإذا ركزنا على الأسباب التي دفعت هذا البلد الإسكندنافي إلى سلك هذا المسار، فإن تقريرا سويديا بعنوان: “نحو سويد دون سيولة نقدية” يشير إلى أن تكلفة التعامل مع النقود كانت الدافع الرئيسي للتجار الراغبين في التخلي عنها.

ويقدر التقرير أن تاجر التجزئة السويدي المتوسط يقضي 113 دقيقة يوميا في التعامل مع النقود وأن التكاليف المرتبطة بهذا التعامل بلغت 4.1 بالمائة من مبلغ الشراء. ويمكن مقارنة ذلك بمعاملات البطاقة التي بلغ متوسط التكلفة فيها 0.4 بالمائة من مبلغ المعاملة.

وخلص الباحثون أيضا إلى أن المعاملات النقدية المتبقية ستصبح أكثر تكلفة مع انخفاض استخدام الأموال النقدية. ينضاف إلى ذلك تقليل مخاطر السرقة، لذلك يرى التجار والبنوك فوائد كبيرة في التحول من النقد إلى البدائل الرقمية.

ويتمثل العامل الآخر وراء التخلي عن الأداء نقدا، في تعقيد المأمورية على المجرمين، لأن المال نقدا الوسيلة المفضلة لديهم للدفع لأنه يكاد يكون من المستحيل العثور عليه، حسب التقرير الذي يشير إلى أنه بدون الوصول إلى السيولة النقدية ، فإنه سيكون من الصعب للغاية على المؤسسات الإجرامية إخفاء المعاملات غير القانونية وغسل الأموال للأنشطة غير القانونية.

في هذا السياق، ولتلبية الاحتياجات المتغيرة لمجتمع يتخلى عن المعاملات النقدية بشكل متزايد، وضعت السويد سلسلة من الإجراءات، بما في ذلك مشروع (E-Krona) ، وهو عملة رقمية للبنك المركزي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى حماية الكرونا السويدية من صعود العملات المشفرة اللامركزية.

كما يتعلق الأمر، كذلك، بتطبيق “Swish” الشهير الذي لا يتطلب سوى رقم هاتف لإجراء تحويل في بضع ثوان ، أو “biohacking”، وهو اختراع يتمثل في زرع شريحة في اليد، يمكنها تخزين أنواع مختلفة من البيانات، من الهوية إلى صفير فتح الباب، مرورا بتذاكر القطار والبطاقات المصرفية للدفع بمجرد تحريك اليد.

وهي ممارسة، قد تبدو بالتأكيد كالخيال العلمي للبعض ، ولكنها مع ذلك أثارت انتباه أكثر من 4000 سويدي قاموا بدمج هذا المنتج دون أي تردد في أسلوب حياتهم، وبالتالي تجنب حمل البطاقات البنكية، ووثائق الهوية أو حتى بطاقات العضوية والمفاتيح.

هذا، دون الحديث عن انتشار شركات التكنولوجيا المالية المشهورة عالميا في البلاد، على غرار “Klarna”، وهي شركة ناشئة في نظام الدفع تقول إن لديها حوالي 150 مليون عميل في جميع أنحاء العالم، والعديد من الشركات المماثلة.

ويبدو جليا أنه مع تطور التكنولوجيا والعادات، بات اندثار النقود جزء من صيرورة التاريخ، بغض النظر عن المدة التي يستغرقها الأمر. إنه التوجه الذي تنحو إليه المجتمعات المتقدمة بلا هوادة. ومع ذلك، فإن مثال السويد يوضح أن هذا الهدف يتطلب الإعداد على المستويات الاقتصادية والصناعية وقبل كل الشيء الإنسانية.

  • ماب – سامية بوفوس

الأكثر تعليقًا

شاركنا رأيك

اترك ردًا

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

آخر ساعة

error: