قبل أربع سنوات، شهدت مدينة طنجة حادثا مأساويا خلّف 7 قتلى و14 مصابا من عمّال إحدى الشركات، أغلبهم نساء طالتهنّ عاهات مستديمة، وذلك بعدما دهس قطارٌ للبضائع حافلةً لنقل المستخدمين كانت تُقلّهم على مستوى منطقة مغوغة.
بعد هذا الحادث المميت، أمر الملك محمد السادس بإجراء بحث إداري شامل لكشف الحيثيات وتحديد المسؤوليات، كما أرسل برقيات تعازي إلى ذوي الضحايا، غير أنه لم تتحركّ أية جمعية مهنية حينها لتقديم المساعدة سواء للمصابين أو أهالي القتلى، كما لم يُبادر أي تجمّع “اقتصادي” للتخفيف من معاناة هؤلاء ولو بعطاءٍ رمزي.
بعدما طالهم الإهمال وغُلبوا على أمرهم، اضطرّ ضحايا الحادث المذكور للتوسّل إلى المسؤولين عبر الصحافة، كما نظّموا وقفات أمام ولاية جهة طنجة في عهد الوالي محمد اليعقوبي طلباً للمساعدة وأملاً في تعويضات مالية تعينهم عل العيش الكريم، بعدما فقدوا القدرة على العمل نتيجة العجز الجسدي الذي أصابهم، لكنه مع ذلك لم تلتفت إليهم أية جهة ولم يعطف عليهم أي “رجل أعمال”، إلى أن طال النسيان قضيتهم.
اليوم، وبعدما قامت جمعية “غيث” بمنح 29 شقة لفائدة أسر ضحايا حادث الغرق الذي شهده مصنع للنسيج بطنجة شهر فبراير من السنة الماضية، لا بد من طرح بعض الأسئلة المتعلّقة أساسا بشروط السلامة في العمل وظروف نقل المستخدمين وقيمة الأجر، خصوصا وأن رئيس الجمعية عادل الرايس هو أيضا رئيس فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة طنجة، والكاتبة العامة للجمعية الشعيبية بلبزيوي العلوي هي كذلك الرئيسة الجهوية لجمعية النساء رئيسات المقاولات فرع الشمال، وهما معاً إلى جانب آخرين يتحمّلون مسؤوليات مباشرة وغير مباشرة عن الوضع العام الذي تعيشه الشغيلة في طنجة.
وقبل ثلاثة أيام، خرجت عشرات العاملات في مصنع لتقشير القمرون في طنجة إلى الشارع للاحتجاج، حيث بُحّت حناجرهنّ هتافاً ضد ظروف عملهنّ وما يرزخن تحته من شروط اشتغال قالوا إنها ظالمة تستعبدهنّ وتحتقر آدميّتهنّ، دون أن نسمع عن أحدٍ من المسؤولين على القطاع ذهب ليتحاور معهنّ ويعرف مطالبهنّ.
التبرّع لضحايا حوادث الشغل والإحسان إلى ذويهم أمر جيّد ومحمود، حتى وإن جاء تحت إملاءاتٍ معيّنة وفَرّق بين ضحايا حادث وآخر، لكنه لا يعفي المتبرّعين من المحسوبين على “الباطرونا” من مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه مستخدمي شركاتهم. تحسين ظروف الاشتغال وتأمين حياة كريمة للعمّال وتمكينهم من حقوقهم، هو المطلوب أوّلاً، وليس أي شيء آخر.
- مقال رأي بقلم أنور البقالي
(الصورة1: عادل الرايس // الصورة2: الشعيبية بلبزيوي)