كيري في ورطة
في عالم التواصل الاجتماعي السريع، يمكن لفيديو قصير أن يشعل حملة واسعة النطاق، خاصة إذا لامس قضية حساسة مثل سلامة الغذاء. هكذا حدث مع مقطع فيديو نشره صانع محتوى فرنسي على منصة تيكتوك، يقارن بين مكونات جبن “كيري” القابل للدهن في السوق المغربي والفرنسي.
الفيديو، الذي انتشر كالنار في الهشيم بين المغاربة، أثار موجة من الغضب والشكوك، مما دفع الكثيرين إلى الدعوة لمقاطعة المنتج، بل وتوسيع الحملة لتشمل أنواعاً أخرى من الأجبان المذابة والقابلة للدهن
رغم ذلك، خرج المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) ليؤكد سلامة هذه المنتجات، مما أثار جدلاً إضافياً حول مصداقية الجهات التنظيمية ووعي المستهلكين.
بداية الشرارة: فيديو تيكتوك يفجر الجدل
بدأ الأمر بمقطع فيديو قصير، لم يتجاوز دقيقة واحدة، نشره فرنسي يُدعى أنسوليتا (حذفه لاحقا)، يعمل كصانع محتوى يركز على مقارنات المنتجات الغذائية عبر الحدود.
في الفيديو، يعرض الشاب علبتين من جبن “كيري”: الأولى من السوق المغربي بسعر 15 درهما مغربياً، والثانية من فرنسا بسعر 2 يورو. يقوم بقراءة قوائم المكونات بصوت عالٍ، مبرزاً الاختلاف الجذري: النسخة الفرنسية تحتوي على مكونات أساسية مثل الدهون اللبنية والملح، بينما تضيف النسخة المغربية ثلاث مواد إضافية غذائية: الفوسفات ثلاثي الكالسيوم (E341)، الكاراجينان (E407)، والبوليفوسفات (E452).
يوجه الفرنسي سؤالاً مباشراً إلى الشركة المصنعة، وهي “بيل” منتجة الأجبان الشهيرة “لافاش كيري”، قائلاً: “لماذا تضيفون هذه المواد في المغرب ولا تضيفونها في فرنسا؟”. ويذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن هذه الإضافات موجودة أيضاً في أنواع أخرى من الأجبان القابلة للدهن المتداولة في الأسواق المغربية، مثل بعض العلامات التجارية المحلية والمستوردة.
وصف هذه المواد بـ”مسرطنة” أو “ضارة بالصحة”، مستنداً إلى آراء عامة شائعة على الإنترنت، مما أثار الذعر بين المشاهدين. انتشر الفيديو بسرعة مذهلة، حيث أعاد نشره آلاف المستخدمين على تيكتوك، إنستغرام، وإكس (تويتر سابقاً). في غضون أيام قليلة، تحول إلى هاشتاغات مثل #مقاطعة_كيري و#إضافات_مسرطنة، مع آلاف التعليقات التي تعبر عن الغضب: “كيف يُعاملوننا كمواطنين من الدرجة الثانية؟”، “سنرمي كل الجبن المذاب في القمامة ونعود للأجبان الطبيعية”، كتب أحد المستخدمين. شهدت الحملة مشاركة من مشاهير ومدونين مغاربة، الذين شاركوا صوراً لهم وهم يتخلصون من المنتجات في سلة المهملات، أو يدعون إلى شراء الأجبان التقليدية المحلية مثل “جبن الغنم” أو “الجبن الطازج” من الأسواق الشعبية.
الاتهامات: هل هي “سموم” أم مجرد إضافات ضرورية؟
القلب النابض للحملة هو الاتهام بأن الإضافات الثلاث (E341، E407، E452) غير صحية، بل ومسببة للسرطان أو مشاكل صحية أخرى. هذه المواد، المعروفة بترميزها الأوروبي (E-numbers)، تستخدم عالمياً في صناعة الأغذية المعالجة لأغراض مثل الاستقرار، التحسين النكهي، أو منع التكتل.
- الفوسفات ثلاثي الكالسيوم (E341): يُستخدم كمثخن ومثبت في الجبن المذاب، ويُعتبر مصدراً للكالسيوم.
- الكاراجينان (E407): مستخلص من الطحالب البحرية، يعمل كمُجمع للماء والدهون، مما يمنح الجبن قواماً ناعماً.
- البوليفوسفات (E452): يساعد في الاحتفاظ بالرطوبة وتحسين الذوبان، خاصة في المنتجات الرخيصة.
في الفيديو، يُقارن الفرنسي بين المنتج “النقي” في فرنسا (الذي يستهدف سوقاً أكثر وعياً واستعداداً لدفع أسعار أعلى) والنسخة “الرخيصة” في المغرب، مشيراً إلى أن الإضافات ضرورية لخفض التكاليف وإطالة العمر الافتراضي.
هذا الاختلاف، وفقاً للناشطين، يعكس “استغلالاً” للسوق المغربي، حيث يُباع المنتج بأسعار منخفضة مقابل جودة أقل. وسرعان ما امتد الجدل إلى أجبان أخرى مثل “فيتا” المذابة أو “الجبن الشيدر”، مع دعوات لفحص جميع المنتجات المستوردة أو المُنتجة محلياً تحت ترخيص أجنبي.
بيان أونسا: نفي الاتهامات وتأكيد الامتثال الدولي
في الوقت الذي كانت الحملة تتصاعد فيه، أصدر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) بياناً رسمياً مساء الاثنين 20 أكتوبر 2025، ليرد على “ما تم تداوله من ادعاءات بشأن وجود بعض المضافات الغذائية في الجبن القابل للدهن والجبن المذوب”.
أكد البيان أن هذه المضافات (E341، E407، E452) “مرخصة وخاضعة للمراقبة” في المغرب، وأن استعمالها يتوافق مع الدستور الغذائي الوطني، بالإضافة إلى القوانين المعمول بها في الاتحاد الأوروبي، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا.
وأشار إلى أن هذه المنتجات “تُسوق أيضاً في بلدان الاتحاد الأوروبي”، وأن المؤسسات المنتجة تخضع لمراقبة صحية منتظمة من قبل أونسا. الختام كان قاطعاً: “الجبن الذي يحتوي على هذه المضافات… لا يشكل خطراً على صحة المستهلك”.
رغم ذلك، لم يهدأ الجدل؛ فالكثيرون يرون في البيان “دفاعاً روتينياً” دون الرد على السبب الجذري للاختلاف بين الأسواق. ومع ذلك، أكدت مصادر من أونسا أن الإضافات تستخدم بكميات محدودة، وفقاً لمعايير الـ”ADI” (الجرعة اليومية المسموحة)، لتجنب أي مخاطر محتملة.
السياق العلمي: هل هي حقاً “غير صحية”؟
للإجابة على هذا، يجب الرجوع إلى الدراسات العلمية. وفقاً للهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء (EFSA) والإدارة الأمريكية للغذاء والدواء (FDA)، فإن هذه الإضافات آمنة عند الاستخدام ضمن الحدود المحددة:
| المضافة | الاستخدام الرئيسي | تقييم السلامة | ملاحظات |
|---|---|---|---|
| E341 (فوسفات ثلاثي الكالسيوم) | مثخن ومصدر كالسيوم | آمن (ADI: 70 مجم/كجم وزن الجسم) | قد يسبب مشاكل في حال الإفراط لمرضى الكلى، لكن غير مسرطن. |
| E407 (كاراجينان) | مجمع ومثبت | آمن (ADI: 75 مجم/كجم) | دراسات حديثة تشير إلى التهابات محتملة في الأمعاء عند الجرعات العالية، لكن غير مثبتة للسرطان. |
| E452 (بوليفوسفات) | مثبت الرطوبة | آمن (ADI: 70 مجم/كجم) | مشابه للفوسفات، يُنصح بتجنبه في حالات معينة، لكنه معتمد دولياً. |
هذه التقييمات تؤكد أن الادعاءات بـ”السرطنة” مبالغ فيها، وغالباً ما تنبع من حملات مضادة للمضافات الاصطناعية بشكل عام. ومع ذلك، يُفضل الخبراء المنتجات الطبيعية لتجنب التراكم الطويل الأمد.
تابعوا طنجة7 على صفحتنا بموقع فيسبوك. وعلى منصة إنستغرام. إضافة لمنصة X وتطبيق نبض


