أرض صنهاجة.. التاريخ واللغة يؤكدان طنجة مدينة أمازيغية

طنجة7

تعد طنجة أقدم مدينة مغربية “كبيرة” مستمرة لغاية اليوم، أصولها تثير جدلا مستمرا، وبين الأسطورة والتاريخ واللغة، يؤكد الباحثون أن المدينة هي ذات أصول أمازيغية واضحة وهذه الأصول التي منحتها هذا الإسم المميز، فانتقل من قرية “تنكة” إلى مدينة طنجة.

بحسب موسوعة “معلمة المتخصصة في التاريخ والحضارة المغربية”، فإن المؤرخ أحمد التوفيق له الفضل في تأكيد “الأصل الأمازيغي لطنجة”، مؤكدا أن السكان الأصليين للمدينة هم الأمازيغ خلال المرحلة الأولى لتأسيسها.

وبحسب المصدر ذاته، فإن هناك العديد من الأساطير التي ربطت بين طنجة وقصة “الطوفان” والنبي نوح والصراع بين “أطلس” و”أنطي” وبناء “سوفاك” لـ “تينجا” تيمنا باسم والدته، هناك أيضا أسطورة هرقل وشقه لجبل طارق.

رواية أخرى حول طنجة تعود لملك إسمه “شداد بن عاد” ورغبته في بناء مدينة شبيهة بـ “الجنة”، كما ربطت روايات بناء طنجة بـ “الرومان” وغيرهم من الحضارات القديمة.

الأصل الحقيقي

وبحسب الموسوعة فإن هناك رأيا يعد الأقرب للحقيقة، ويتعلق باستلهام اسم طنجة من قرية أمازيغية صغيرة تدعى “تنكه”، تحولت إلى موقع للتجار الفنيقيين بسبب وقوعها في مكان إستراتيجي.

طنجة الأمازيغية

هذا وقد ورد إسم “طنجة” في النصوص التي أوردت الأساطير بشكل متشابه، ولكنه متعدد الرسم والشكل والصيغ، فورد بصيغة “تِنْكَا” (Tinga)، و”تِتْكا” (Titga)، و”تِنْكي” و”تِنْكِسْ” (Tingis)، و”تِنْتديا” (Tantdia) وغيرها.

ويبقى أهم صيغتين يمكن الإهتداء بهما للبحث عن معنى طنجة هما صيغتا: تِنْكَا Tinga() وتِتْكَا (Titga)، وهما صيغتان وردتا في نقود الفينيقيين الذين وصلوا إلى طنجة قبل أن يعرفها الإغريق أو اللاتينيون.

وقد وردت صيغة تنكا في بعض تلك النقود منفصلا إلى مقطعين: “تِنْ” و”كَا” (Tin ga)، أو “تِتْ”و “كَا” (Tit ga).

وبالنظر إلى صعوبة الحسم في طريقة نطق الفينيقيين لتلك الصيغ. ونظرا لكون اللغة العربية لا تسعف في الإجابة عن معنى كلمة طنجة، فإن المؤرخ أحمد التوفيق يقترح الرجوع والإستعانة بالجذور الأصلية المحلية للكلمة، خاصة أن  إسم طنجة أصلي محلي من لغة أهل البلد أي الأمازيغية، فكتبه الآخر  ليتماشى مع لغته، وهذا ما قام به الفينيقيون والرومان، وفيما بعد العرب.

لا أصل عربي لاسم طنجة!

بالعودة للغة العربية فإن المعطيات لا تسعف في شيء للوقوف على معنى إسم طنجة، أو أنه مشتق من اللغة العربية، إذ أن مادة “ط ن ج” مادة قليلة، وليس في “لسان العرب” لابن منظور سوى كلمة الطُّنُوج بمعنى الكراريس، وفعل طنَّج، وهو من الغريب، بمعنى تفنَّن في الكلام.

كما أن حرف التاء الذي في آخر كلمة طنجة في رسمها العربي هاء سكت، أو تاء تأنيث اقتضتها صياغة التعريب، وحرف الطاء في الأول بدل التاء ربما جاءت تفخيما اقتضاه الحرف الذي بعده وهو النون، وحرف الجيم هو نفس حرف كَ (الجيم البدوية كما يقال)، فيكون رسم طنجة هو رسم للإسم الوارد عند الفينيقيين وعند من نقل عنهم من اللاتينيين.

ولأن الأمازيغية هي لغة المنطقة لآلاف السنين، تكلم بها الناس وتسمت بها الأسماء بالرغم مما قد يكون اعتراها من التطور أو لحقها من الدخيل، وإذا كانت الصيغة اليوم المتداولة على ألسن الناس هي “ط ن ج ه” لا توحي بمعنى قريب في لغة الأمازيغ، فإن أحمد التوفيق يقترح تأويلا ينطلق من الرسم اللاتيني Tingis الوارد في النصوص، وكذا الرسم الوارد في نقود الفينيقيين ولا سيما الصيغة التي جاء فيها الإسم مركبا من شقين منفصلين هما: تِنْ (Tin) وك (gi). ورغم محاولة باحثين آخرين الرجوع إلى اللغة الأمازيغية من أجل إلى البحث عن معنى صيغة تنكَ (Tingi) ، باعتبارها كلمة واحدة، فتوصلوا إلى معنى مباشر لهذا اللفظ، وهو بالعربية “السيل”؛ سيل مياه الوادي في صيغة المؤنث (تِنْكِ)، والمذكر “أَنْكِ”، ومن ثمة ربطوه بشعب ذي سيلان عند قدم المرتفع الذي تقع عليه مدينة طنجة، أو ربطوه بشكل تلقائي بقصة الطوفان.

ويدعم هذا الرأي، وجود أمثلة يمكن القياس عليها –حسب رأي التوفيق- خصوصا أسماء الأماكن التي لها معنى أمازيغي؛ كمثال إسم “تنغير” الواقعة في الجنوب الشرقي للمغرب (جهة درعة تافيلالت)، والتي يجب أن تنطق “تِنْغِرْ” بدون مد، لأن الأمازيغية لا مد فيها. وهو إسم مركب من شقين؛ الأول: “تِنْ” ويفيد الوصف والنسبة، أي بمعنى ذات (كما في ذات الجندل أو ذات الصواري في العربية)، أو تعني “التي في” أو “المنسوبة إلى”. أما الشق الثاني فهو: “غِر” فمعناه عرف الجبل أو الأكَمَة أو المرتفع، وهو في الأصل بالهمزة وتحتها كسر في أوله “إِغِرْ”، فهي تِنْ إِغِرْ”، ولكن الهمزة استثقلت فحذفت فصارت الكلمة “تن غر” أو “تنغر”.

وبناء على ما سبق، يؤكد أحمد التوفيق، “أن “طنجة” إسم تَحرّف لدواع يدخل فيها نسيان المعنى الأصلي أو تناسيه، بينما يرى أن هذا الأصل هو “تِنْكْ” المركبة من تِنْ (=ذات، المنسوبة إلى، الواقعة في) وك  (بالكسر أو الفتح) وأصله إِك فحذفت الهمزة، ومعناه الأعلى والفوق، أي أن تِنْ ك تعني: الواقعة في المرتفع أو الأعلى أو العالية”.

وبالإضافة إلى القرائن اللغوية، يورد أحمد توفيق قرائن أخرى يمكن تدعيم رأيه بها. ويتعلق الأمر بعبارة أوردها أبو عبيد الله البكري في كتابه ” المعرب في ذكر إفريقيا والمغرب”، في معرض حديثه عن طنجة حيث قال: “فأما كورة طنجة فهي مساكن صنهاجة ومدينة طنجة تعرف بالبربرية وليلي”.

مساكن صنهاجة

فلجوء البكري لشرح معنى كلمة طنجة يعني أن معناها غير دارج بين الناس، كما أن معناه لو كان عربيا لما احتاج إلى ذلك، مما يعني أن إسم طنجة أصبح غير معروف ومفهوم لدى أهل البلد الطارئين، حيث صار إسمها عند أهلها تعني وليلي إما من حيث المعنى، أو من حيث الإطلاق الغالب لإسم مرادف يفضله الساكنون في عين المكان، مما يعني أن إسم طنجة وإسم وليلي لهما معنى واحد، ولما كانت العبارة تقرر أن ذلك الترادف في “البربرية” (الأمازيغية)، فإن ذلك يعني أن معنى “وليلي” كان معروفا لا غموض فيه.

وبالإستناد على الأبحاث التي حاولت تفسير إسم “وليلي”، والتي اعتمدت بدورها على الطبونيميا، يعتقد أحمد التوفيق أن إسم و”ليلي”، له دلالة تضاريسية تحيل على معاني العلو والإرتفاع والسفح.

وفي ضوء ذلك يقول أحمد التوفيق: “وفي ضوئه نفهم أن قول البكري (وطنجة تعرف بالبربرية وليلي) يعني أن طنجة تعني ما تعنيه وليلي أي المرتفع والمكان العالي، فطنجة إذن هي العالية”.

وهذا الوصف في واقع الأمر حقيقة طبوغرافية، كما أنه شائع في التغني الشعبي الحديث، فالمدينة تقع على الهضبة المطلة على خليج واسع، طوله 5 كلم، وهو بمثابة مرفأ طبيعي ساهم بشكل كبير في تحديد نشأة وتطور المدينة.

1 Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا

أعثر علينا على الوسائط الاجتماعية
نشرة السابعة
إشترك معنا للتوصل بجميع الأخبار