أماط انتخاب محمد الشرقاوي، رئيس مقاطعة طنجة المدينة وفريق اتحاد طنجة، لشغل المنصب الشاغر لنائب عمدة طنجة اللثام عن “حرب ضروس” دارت رحاها في كواليس الجماعة والصالونات المغلقة لسياسيين نافذين بطنجة.
فوراء الستة أصوات التي شكّلت الفارق بين مرشح المعارضة، محمد الشرقاوي (حصل على 33 صوتا)، ومرشح التحالف المسير للجماعة، عبد الواحد بولعيش (حصل على 27 صوتا)، تختفي الكثير من التفاصيل، منها ما باحت به كواليس اجتماعات ماراطونية قادتها وجوه معروفة لـ “ترسيم” الشرقاوي في المنصب الشاغر، وأخرى جاءت على ألسنة بعض من خاضوا معركة “كسر العظام” هاته، وتمثلت في اتهامات مباشرة لأطراف بعينها بـ”اللعب على حبلين” و”ازدواجية الخطاب” لتحقيق مآرب تتجاوز ما هو حزبي وسياسي، إلى الشخصي والخاص.
الحمامي يُغضب عرّاب حزب “الحمامة”
لم يكن محمد الحمامي، رئيس مقاطعة بني مكادة، يعتقد بأن اختلافا في وجهة النظر حول الجهة الأحق بالمنصب الشاغر، أو لنقل تراجعا تكتيكيا من هذا الأخير عن دعم الشرقاوي لأسباب ما زالت مجهولة إلى حد الآن، سيجر عليه غضب عرّابي هذا السيناريو، لينقلوا المعركة إلى مقر المقاطعة التي يديرها.
ففجأة، ودون مقدمات تناسلت المشاكل داخل المقاطعة، وفقد الحمامي أغلبيته وطفت كل “العيوب” إلى السطح.. ولم يُكتب النصاب القانوني لانعقاد دورة عادية أن يكتمل.
أكثر من ذلك طالب 27 من أصل 44 عضوا بمجلس مقاطعة بني مكادة بعزل الحمامي لفقدانه للأغلبية، داعين “سلطات المراقبة الإدارية للتدخل من أجل تصحيح الوضع عبر إيفاد لجان المراقبة والافتحاص بناء على القوانين الجاري بها العمل، وخصوصا في الملفات التعميرية الخطيرة التي أثارتها بعض المواقع الإعلامية”.
هذا الانقلاب المفاجئ على الحمامي وصفه رئيس مقاطعة بني مكادة بـ “انقلاب أبيض”، يقوده منتخبون من أحزاب التحالف بسبب دعمه لـ “أحد المنتخبين من أجل الترشح لمنصب نائب العمدة”، وهو ما قال إنه تسبب له في أزمة سياسية داخل المقاطعة، متهما كلا من عبد النبي مورو ومحمد الحميدي بـ “التخطيط لقلب الطاولة عليه، مقابل تهييئ الطريق لرئيس مقاطعة طنجة المدينة محمد الشرقاوي، للظفر بمنصب نائب عمدة طنجة”.
بيانان لتحالف واحد
بعد انسحاب الحمامي من “صفقة” اختيار الشرقاوي للمنصب، كثف عرابو هذه العملية تحركاتهم لضمان عدم فشل هذا السيناريو، وهو ما دفع المنتمين إلى حزب الأصالة والمعاصرة إلى التنسيق مع القيادة الجهوية للحزب التي تواصلت بدورها مع القيادة المركزية بالرباط، من أجل دفع حزب “التجمع” بالمدينة إلى احترام الاتفاق الثلاثي بين أحزاب الأغلبية على دعم مرشحيها وطنيا ومحليا.
“باميو طنجة” قرؤوا في تحركات قياديي الأحرار محاولات لإضعاف العمدة منير ليموري، وذلك بمحاولة استرضاء حزب من المعارضة من خلال دعم مرشحه لمنصب نائب العمدة.. لذلك قرر منتخبو “البام” دعم أي مرشح من التحالف يتقدم للمنصب، حتى إن لم يكن من الأصالة والمعاصرة رغم أن المنصب يعود في الأصل لهذا الحزب، فضغطوا في اتجاه إصدار بيان يوقعه رؤساء فرق التحالف المسير للمجلس، يتم الالتزام فيه بالاتفاق على دعم مرشح يمثل هذا التحالف.
لكن المفاجأة هي أن البلاغ الذي صدر قبل ساعات قليلة من انطلاق أشغال الدورة العادية لم يكن يحمل توقيع حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي اتهمته جهات من الأغلبية بالتلكؤ ومحاولة كسب المزيد من الوقت لتنفيذ المخطط غير المعلن لـ “فرض الشرقاوي” نائبا للعمدة.
البلاغ الذي جرى توقيعه من طرف رؤساء فرق الأصالة والمعاصرة والاستقلال والاتحاد الدستوري، اعتبره عبد الواحد بولعيش، مرشح “الأحرار” للمنصب، في تدخله خلال أطوار الجلسة صدر عن “سوء نية”، مضيفا أن “صوت العقل غلب في النهاية، وسيتم إصدار بيان آخر بعد طي صفحة الخلاف بين مكونات الأغلبية سيتضمن هذه المرة توقيع حزب “الأحرار”.
وبعد التنسيق مع السلطات الولائية، تم الاتفاق على تأجيل نقطة انتخاب نائب العمدة، وهو ما كان بالفعل، ليعرف الأسبوع الذي يفصل عن الموعد الجديد تحركات في كل الاتجاهات من أجل ضبط خط سير الأغلبية وتفادي هاته المطبات التي قد تعصف بتماسكها، وهي التحركات التي تمخض عنها بيان جديد وقعته هذه المرة جميع مكونات التحالف، معلنة عن دعم مرشح “الأحرار” لتولي المنصب الشاغر لنائب عمدة مدينة طنجة، مؤكدة على “ضرورة مواصلة الالتزام بمضامين البيان الذي وقعته الأحزاب الأربعة بمدينة طنجة غداة إعلان نتائج مختلف الاستحقاقات الانتخابية، وتشكيل المجالس المنتخبة.
شرقاوي آل مورو يقلب بوصلة “الأحرار”
الاتفاق، حسب مصادر مطلعة، جاء بعد مفاوضات عسيرة، تطلبت تواصل الباميين مع قيادتهم الجهوية ثم المركزية، ودخول المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار على الخط، والذي تسرب منه إلى العلن أن الأحرار ملتزم بميثاق الأغلبية، فيما أسرّت مصادر عليمة بأن رشيد الطالبي العلمي أصبح مقتنعا برواية آل مورو بأن الشرقاوي هو رجل المرحلة ويمكن اعتباره “مرشح الأحرار” حتى وإن كان منتميا إلى حزبٍ في المعارضة (الحركة الشعبية)، حيث جرى إخباره بأن انضمام هذا الأخير إلى الحزب مسألة وقت.
المصادر ذاتها قالت إن “الرجل المفتاح” في هذه العملية كان هو عبد النبي مورو، القيادي في “الأحرار” والنائب الخامس لعمدة مدينة طنجة، إذ بينما كان أخوه عمر، رئيس جهة طنجة والمنسق الإقليمي للتجمع الوطني للأحرار، يحث في العلن على الالتزام بالتوجيهات الصادرة عن تحالف الأغلبية، على الصعيدين الوطني والمحلي، سلك عبد النبي كل السبل لتيسير طريق الشرقاوي إلى هذا المنصب.
مصادرنا قالت إن عبد النبي أقسم بألا يؤول المنصب إلى أحد آخر غير الشرقاوي، وهو الشيء الذي تم بالفعل.. مشيرة إلى أن حزمة التعاقدات بين الرجلين لن تقف عند هذا الحد وفي جعبتهما الكثير في الفترة القادمة.
أرنب سباق وأغلبية مخترقة
مساعي عبد النبي مورو دفعت حميد بليطو إلى التراجع عن الترشح للمنصب بحجة أنه يرفض أن يكون “أرنب سباق للشرقاوي”، وهو ما دفع الحزب إلى تعويضه بعبد الواحد بولعيش، رئيس لجنة الشؤون الثقافية والرياضية والاجتماعية بجماعة طنجة، لدخول غمار هذه المنافسة، رغم أن البعض يصفه بـ”الصدامي والذي لا يحظى بالإجماع وسط أغلبية أعضاء المجلس”، ما يجعله يخسر أصواتا قبل انطلاق “المنافسة”، لتبدأ الخطة الموازية..
بعد تحديد مرشح الأحرار للمنصب وضمان “عدم التوافق عليه” من طرف الأغلبية، لجأ عراب الأحرار إلى خطة موازية تحسبا لأي مفاجآت.. بدأت أولى محطاتها في التواصل مع أحزاب المعارضة المتمثلة في العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية لإقناع منتخبيها بالوقوف صفا واحدا وراء الشرقاوي، حتى إنه جرى إقناع منتخبي حزب العدالة والتنمية بتأييد الخطة مقابل وعد بإسقاط ميزانية الجماعة برسم سنة 2024، وهو ما يتمناه إخوان بنكيران من أجل العودة إلى المشهد السياسي بطنجة بعد خيبة انتخابات 2021.
المحطة الثانية في هذه الخطة كانت استغلال عدم تماسك “البام” وضعف الشخصية السياسية للعمدة، منير ليموري، الذي ظل مثل “أطرش في زفة” معركة كسر عظام مرت أطوارها أمام ناظريه.. وهو ما استغله عرابو الأحرار أمثل استغلال من خلال الضغط على أعضاء فريق “البام” بمختلف الوسائل، ومن بينها “التهديد بعزل رئيس مقاطعة مغوغة البامي بلعب ورقة النصاب، بحيث يمتلك الأحرار عددا كبير من الأعضاء في هذا المجلس”، تقول مصادر مطلعة.
كما “استغلوا التشتت الكبير الذي يعرفه حزب “الاتحاد الدستوري” أحد أضلاع التحالف الرباعي المشكل للأغلبية واستطاعوا التأثير على أعضائه وإقناعهم بالتصويت لصالح الشرقاوي”.
يوم الحساب.. يوم الانسحاب
صبيحة يوم انعقاد الدورة، وبعد أن فطن قياديو “البام” إلى الخطة، تحركت الهواتف في كل الاتجاهات، في محاولة لاستصدار بيان جديد للتحالف، حصلنا على نسخة من مسودته، يدين ما أسموه “استعمال وسائل تسيئ إلى العمل السياسي وتصرفات تخدش صورة الفاعل السياسي بالمدينة، من طرف من يحسبون على جسم المنتخبين، عبر نهج طرق تمس بالتنافس الشريف وتخل بالقواعد الانتخابية الجاري بها العمل”.
مقترحو البيان كانوا سيعلنون “تمسكهم بمخرجات الاجتماع الأخير بخصوص انتخاب المنصب الشاغر لنائب عمدة المدينة، كما يستنكرون استخدام الوسائل القذرة من شراء للذمم واستعمال للمال من طرف من يلهثون وراء هذا المنصب”.
بعد الفشل في استصدار البيان، دفع “الباميون” بخيار تأجيل التصويت على نقطة انتخاب نائب العمدة، وتم الاتفاق بين رؤساء فرق الأغلبية على التصويت لفائدة التأجيل، وهو ما أقره والي طنجة محمد مهيدية الذي وافق على تأجيل التصويت على هذه النقطة مقابل عدم إصدار البيان.
غير أن المفاجأة كانت هي أن بعد المنتمين إلى “الأحرار” لم يلتزموا بالاتفاق، وكذلك فعل عدد من أعضاء حزب “الاستقلال” وجل أعضاء “الاتحاد الدستوري”.. وحدهم أعضاء “البام” الحاضرون من صوتوا جميعا لصالح تأجيل النقطة، حسب الاتفاق، لكن النصاب لم يكن كافيا لتبني قرار التأجيل.
بعد تقديم نقطة انتخاب من سيشغل منصب نائب العمدة، والذي تقدم له كل من عبد الواحد بولعيش عن “الأحرار” ومحمد الشرقاوي عن الحركة الشعبية، غادر أربعة أعضاء من فريق “الأحرار” القاعة تحسباً لأي مفاجأة قد تؤدي إلى نجاح مرشحهم.. هذا الانسحاب أثار تساؤلات كبيرة بين مكونات المجلس، خصوصا أنه تم بعد أن قاموا بتسجيل أسمائهم في محضر الحضور..
ليغادروا تحت أنظار عبد النبي مورو وعبد الواحد بولعيش الذي لم يحرك ساكنا، في الجلسة ليخرج بعد الانتخاب يشتكي “تصرفات غير لائقة”، فيما الحقيقة أن كل شيء كان مدروسا ومخططا له بعناية من طرف مورو. وهو الانسحاب الذي، تقول مصادرنا، سببا شرخا عميقا في صفوف أغلبية لا يعتقد كثيرون أنها ستبقى بهذه التركيبة بعد كل ما جرى.
بعد انتهاء عملية الاقتراع تبيّن أن 33 عضوا صوتوا لصالح الشرقاوي، فيما لم يتجاوز عدد المصوتين لصالح بولعيش 27 عضوا. لتكتمل عناصر خطة محكمة استطاع من خلالها عراب “الأحرار” اختراق صفوف الأغلبية، وضمان غياب منتخبين وتصويت آخرين ضدا على اتفاق التحالف والقرارات الحزبية، كما حصل مع كل من سمية العشيري ومحمد أقبيب اللذين قرر حزب الاستقلال إحالتهما على المساطر التأديبية، واتخاذ القرارات الزجرية في حقهما، وفق القوانين الجاري بها العمل، بسبب “عدم انضباطهما ومخالفتهما لقرارات الحزب وتوجهاته، ونظرا لعدم التزامهما بقوانين الحزب”.
قوة مورو من ضعف ليموري
لم يكن عبد النبي مورو ليحقق هدفه، تقول مصادر مطلعة، لولا ضعف العمدة ليموري وتردده.. فالرجل الذي ظل يتفرج على البساط سحب من تحت أرجل أغلبيته لم يستطع مقاومة “التيار الجارف” لعراب الأحرار وظل يتفرج على أغلبيته تغرق.
بل إن الطريف في هذه الخطة، تقول مصادر خاصة، أن أصحابها خططوا لكل شيء حتى “جزء ما بعد النهاية” الذي اختاروا له شعار “ضربني وبكى وسبقني وشكى”، حيث اقتضت الخطة أنه بعد مغادرة أعضاء “الأحرار” الأربعة يلتزم الأعضاء المتبقون بالتصويت لفائدة مرشحهم، حتى يبدو حزب “البام” أساساً هو من نقض التحالف بعد أن تغيب ستة من أعضائه الذين أرسل أربعة منهم شواهد لتبرير غيابهم، فيما الإثنان الآخران معروفان بخلافاتهما الحادة مع عمدة طنجة، علاوة على أنهما لم يستسيغا التصويت على مرشح الأحرار عبد الواحد بولعيش الذي يتهمانه بأنه يُكنّ العداء لحزب الأصالة والمعاصرة.
فيما تقول المصادر ذاتها إن تخلف عزيز بنعزوز، رئيس مقاطعة مغوغة، راجع إلى تخوفه من أن “ينقلب عليه أعضاء “الأحرار” في المقاطعة، ويحدث له ما حدث لمحمد الحمامي في مقاطعة بني مكادة”.
المنصب وسيلة وليس غاية
بعد أن وضعت حرب ملء المنصب الشاغر لنائب عمدة طنجة أوزارها، وآلت إلى الشرقاوي كما خطط مورو لذلك، يستعد هذا الأخير لتنفيذ الجزء المتبقي من الخطة، بل إنه “الجزء الأهم منها” تقول مصادر متتبعة، إذ إن هذا “المنصب ليس غاية في حد ذاته، والمقصود الآن هو تمكين الشرقاوي من الحصول على تدبير ملف التعمير، بكل ما يعنيه في مدينة مثل طنجة.
وهو “القَسَم الثاني” الذي ينتظر من مورو أن يبر به بعد أن استطاع أن يبر بقسمه الأول وقاد الشرقاوي إلى المنصب، فـ “هل ستشهد ردهات جماعة طنجة معركة جديدة لسحب الملف من العمدة ليموري، أم أن هذا الأخير سيستطيب الانحناء للعواصف ويسلم الملف عن طيب خاطر”؟! تتساءل المصادر.
- تحليل إخباري بقلم كمال الكبداني